بقلم دارين إبراهيم
مع انطلاق موسم التسوق الذي ينتظره الملايين حول العالم، يبرز يوم الجمعة السوداء كواحد من أكثر الفترات جذبًا للمتسوقين بعروضه الكبيرة وتخفيضاته المذهلة. ولكن خلف كل هذه الإعلانات الجذابة والعروض المغرية، تكمن حقيقة قاتمة تلطخ هذه البضائع برائحة الاستغلال: العديد من أشهر العلامات التجارية العالمية متورطة في ممارسات العمل القسري المرتبطة بالإبادة الجماعية التي تستهدف شعب الأويغور في تركستان الشرقية، والتي تعرف أيضًا باسم شينجيانغ.
الإبادة الجماعية والعمل القسري في تركستان الشرقية
تحولت تركستان الشرقية إلى مركز للقمع الممنهج الذي تمارسه السلطات الصينية. حيث تم إجبار أكثر من مليون شخص من الأويغور على دخول معسكرات اعتقال تُعرف رسميًا بمراكز “إعادة التعليم”. في هذه المعسكرات، يتعرض المعتقلون للتلقين القسري، والإساءات الجسدية والنفسية، بالإضافة إلى العمل القسري.
إلى جانب ذلك، يتم توزيع آلاف الأويغور على برامج عمل حكومية تشمل الزراعة، ومصانع النسيج، وحتى مواقع التصنيع في أنحاء الصين. وتُنتج منطقة تركستان الشرقية ما يقرب من 20% من القطن العالمي، مما يجعل كل قطعة قماش تُصنع هناك ملوثة بمعاناة شعب يُسلب يوميًا حقوقه الإنسانية وثقافته.
كيف تشارك العلامات التجارية العالمية؟
العديد من العلامات التجارية التي يعرفها ويثق بها المستهلكون، خاصة في مجالات الأزياء والتكنولوجيا والسيارات، قد تورطت في شبكات العمل القسري للأويغور. وبالرغم من التحذيرات والانتقادات الدولية، لا تزال هذه الشركات تستفيد من هذه الممارسات التي تقدم بضائع رخيصة:
الأزياء والملابس
- شي إن (Shein): تعرضت لانتقادات بسبب سلسلة توريدها الغامضة واعتمادها على القطن من تركستان الشرقية.
- زارا (Zara): تواجه اتهامات بشراء الأقمشة من مصانع تستخدم العمالة القسرية للأويغور.
- إتش أند إم (H&M): على الرغم من تعهدها بوقف التوريد من تركستان الشرقية، لا تزال تواجه مشاكل تتعلق بسلاسل التوريد الأخلاقية.
- نايكي (Nike): أشارت التقارير إلى استخدام العمالة القسرية للأويغور في مصانع داخل وخارج تركستان الشرقية.
- أديداس (Adidas): تواجه اتهامات بالتوريد من موردين مرتبطين بممارسات العمل القسري.
- بوما (Puma): ترتبط منتجاتها بالقطن المنتج في تركستان الشرقية.
التكنولوجيا
- آبل (Apple): تم اتهامها بشراء مكونات من موردين مرتبطين بالعمل القسري للأويغور.
- سامسونج (Samsung): واجهت اتهامات مشابهة بالاستفادة من العمل القسري في سلسلة التوريد الخاصة بها.
- هواوي (Huawei): تم فرض عقوبات عليها لدورها في تسهيل المراقبة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان.
التجارة الإلكترونية
- تيمو (Temu): يخضع للتحقيق من قبل وزارة الأمن الداخلي الأمريكية بتهمة انتهاك قانون منع العمل القسري للأويغور.
صناعة السيارات
- فولكس فاجن (Volkswagen): تواجه انتقادات لاستمرار عملياتها في تركستان الشرقية واعتمادها على مكونات مرتبطة بالعمل القسري.
- بي إم دبليو (BMW): كشفت التقارير عن استيرادها سيارات تحتوي على مكونات من موردين مرتبطين بالعمل القسري
- تسلا (Tesla): تم اتهامها بالحصول على الألومنيوم والمواد الأخرى المنتجة في ظروف العمل القسري.
تذكير الجمعة السوداء
يتحتم على المستهلكين أن يدركوا مسؤوليتهم الكاملة في هذه الأزمة العالمية، فكل عملية شراء من علامات تجارية تتورط في استغلال العمالة القسرية للأويغور تُعد مساهمة مباشرة في تعميق معاناة شعب بأكمله. ليس هناك مبرر للاستمرار في دعم هذه الشركات، فالتجاهل ليس إلا شكلًا من أشكال التواطؤ. حان الوقت لمقاطعة كل من يتربح من هذا الاستغلال، وإعطاء الأولوية للبدائل الأخلاقية، والمطالبة بمساءلة حقيقية وشاملة. لم يعد هناك مجال للجهل أو الحياد؛ كل قرار استهلاكي هو اختيار إما للعدالة أو للظلم
على الشركات أن تتحمل تبعات أفعالها. لم تعد حملات العلاقات العامة البراقة أو التصريحات السطحية قادرة على إخفاء الحقائق. إن أي وعود لا تُترجم إلى أفعال ملموسة لا تعني شيئًا. المطلوب واضح: قطع جميع العلاقات مع الموردين المتورطين في العمل القسري، وتبني أنظمة شفافة وقابلة للتحقق لضمان الالتزام بالممارسات الأخلاقية. أي تقاعس في هذا الصدد هو تواطؤ مباشر في جريمة ضد الإنسانية.
أما الحكومات، فإن صمتها وترددها ليسا مجرد فشل، بل هو تواطؤ صريح. يجب تبني سياسات صارمة مثل قانون الأويغور لمنع العمل القسري، مع ضمان تطبيقها بصرامة دون استثناء. لا بد من فرض حظر شامل على الواردات الملوثة بالاستغلال، وفرض قيود تجارية، وتطبيق عقوبات قاسية على الشركات والحكومات المتورطة. الحكومات التي تقف موقف المتفرج أمام هذه الانتهاكات ليست بريئة، بل شريكة في الجريمة.
المؤسسات الدولية بدورها مطالبة بالاعتراف الواضح والصريح بأن ما يحدث للأويغور في تركستان الشرقية هو جريمة إبادة جماعية. يجب أن تكون العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية على الحكومة الصينية غير قابلة للتفاوض. الصمت أو التأجيل يعني الموافقة الضمنية على استمرار هذه الفظائع.
ليس هناك متفرجون في هذه الكارثة؛ الجميع مشارك بشكل أو بآخر. سواء كنا مستهلكين، أو شركات، أو حكومات، فإننا جميعًا نتحمل مسؤولية مباشرة عن التحرك. هذه ليست مسألة خيارات أو رفاهية، بل هي اختبار جوهري للعدالة الإنسانية. قاطعوا الظلم. حاسبوا الجناة. ضعوا حدًا للتواطؤ في الجرائم ضد الإنسانية..
إن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الأويغور في تركستان الشرقية ليست مجرد أزمة بعيدة عن حياتنا اليومية، بل هي متجذرة في الأقمشة التي نصنع منها ملابسنا، وفي الأجهزة الإلكترونية التي نعتمد عليها، وفي المركبات التي نستخدمها. طالما استمرت الشركات في جني الأرباح من العمل القسري، وطالما عجزت الحكومات عن فرض المساءلة والمحاسبة، سيبقى هذا الاستغلال قائمًا بلا رادع.
إن يوم الجمعة السوداء هي تذكير صارخ بالأنظمة العالمية التي تطبع المعاناة الإنسانية باسم الربح. وهي دعوة إلى العمل — ليس للمستهلكين وحدهم، بل للشركات، واضعي السياسات، والمنظمات الدولية. يتطلب إنهاء التواطؤ مع الإيغور في العمل القسري تغييرا شاملا، ومحاسبة ثابتة، والتزاما جماعيا بدعم الكرامة الإنسانية.
مركز حقوق الطبع والنشر لدراسة الأويغور - جميع الحقوق محفوظة