• واشنطن العاصمة
تابعنا:

الصين والجريمة الكبرى

عبد الله عيسى المالكي

الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الصين في نصف القرن العشرين وطبقتها في القرن الحادي والعشرين لكامل شعب تركستان الشرقية

نشر جورج أورويل روايته الرائعة ” 1984″ في عام 1949، وهي رواية تتحدث عن دولة استبدادية وديكتاتورية. فالشخصية الرئيسية في الرواية تعمل في “وزارة الحقيقة” كما يدعون، لكنها في الواقع وزارة مسؤولة عن اختلاق الحقائق والتاريخ.

البطل في الرواية يعيد كتابة المقالات القديمة، ويقوم بالتصحيحات اللازمة للحقائق التاريخية. وكان شعارهم كما يصف الكاتب: “من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل، ومن يتحكم في الحاضر يسيطر على الماضي”.

فكل الناس في هذه الدولة يعيش تحت المراقبة، حيث أن التفكير يعتبر جريمة باسم: “جريمة الفكر” ويتعرض مرتكبو هذه الجرائم للتعذيب وغسيل المخ حتى يصدقوا الحقيقة الوحيدة الثابتة في بلادهم. فـنعلم جميعا، «2+2=4»، ولكنها تساوي خمسة عندهم.

على الرغم من أن هذه الرواية تعد من الأدب الخيالي، إلا أن غسيل المخ منذ ذلك الحين لم يعد يصنف بالخيال العلمي، حيث استخدم في معسكرات الاعتقال لأسرى الحرب منذ خمسينات القرن الماضي.

في الحرب الكورية عام 1953 لاحظ المسؤولون الأمريكيون انشقاق عدد ليس بقليل من الجنود الأمريكيين واتجاههم إلى الشيوعية. كان الأمر أشبه بفكرة مبهمة، عن طريقة غامضة استخدمها الصينيون في الحرب منذ انضمامهم، وذلك من أجل تحويل ولاء الجنود الأمريكيين إليهم. وكان ذلك عن طريق إحداث تغيرات سلوكية عميقة ودائمة على أسرى الحرب. ونشرت وزارة الدفاع الأمريكية بحثا توضح التقنيات الخاصة التي استخدمها الشيوعيون في التحقيقات من أجل استغلال أسرى الحرب. كما تشير الدراسة أن الشيوعيين الصينيين أدركوا أهمية هذا الاستجواب، وأنهم كلفوا كتيبة لجمع هذه المعلومات، وخططوا للعقوبات لمن لم يتعاونوا. وكان لديهم موظفون ماهرون يجيدون اللغة الإنجليزية في معسكرات الاعتقال. وبهذا وقع المجتمع الأمريكي في رعبٍ وقلق، إذ انتشر الذعر من أن الشيوعيين الصينيين قد تمكنوا من اختراق عقول الأسرى والسيطرة عليهم. وأطلق على تلك التقنية لأول مرة كلمة “غسيل المخ”.

وإن كان مفهوم غسل المخ، من أفكار الصحفي الأمريكي إدوارد هانتر، فقد بدأ ظهوره في خمسينيات القرن الماضي، إلا أن هناك الكثير من علماء النفس، قد أشاروا إلى أن هتلر قد استخدم تقنيات غسيل المخ، للتحكم في عقول الشعب الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية. وأنا أرى أن غسل المخ قد استخدم منذ قرون طويلة، مثلا: استخدمه المغول قديما للأسرى والعبيد بوسائل تعذيب خاصة، بحيث يفقد الأسرى عواطفهم وأفكارهم ومشاعرهم كاملا. وقد سمي هذا العمل عندهم “صناعة البَلَادة”. وفي عام 1950، عندما كانت الحرب الكورية ما زالت في طور البداية، نشرت صحيفة ميامي نيوز مقالًا له بعنوان: «قوة غسل الدماغ الصينية في صفوف الحزب الشيوعي»، مُشيرًا إلى أن الحُمر (الصيني الشيوعي) لديهم خبراء متخصصون في لوحات غسل الأدمغة، مستخدمين الأدوية والتنويم المغناطيسي. وهدفهم النهائي، بحسبه، هو قهر أمريكا، قائلًا إن الولايات المتحدة الأمريكية هي ساحة المعركة الرئيسية؛ محذرًا من أن غسل الأدمغة سيجعل من الأمريكيين رعايا حفنة صغيرة من الطغاة في العالم.

وقد وصف هانتر في كتابه “غسل الأدمغة في الصين الحمراء” غسل الأدمغة هو شر العالم الجديد، إنهم يريدون أن يسترقوا العالم عن طريق تدمير العقول.

كانت المعتقلات الشيوعية في كوريا الشمالية مُصممة من أجل هدف واحد وهو تسهيل التلقين أثناء الاستجواب؛ كان الأسرى يجمع في المخيمات، ومن تلك المخيمات كان يتم تقسيمهم إلى وحدات. وتلك الوحدات غالبًا ما تكون موجودة بالقرب من مقر القيادة العسكرية، وهناك تم تجهيز غرف الاستجواب بأجهزة التسجيل، وأجهزة كاشفة للكذب، هذا إلى جانب مرايا ثنائية الاتجاه. ومن الوسائل المستخدمة هزيمة الفرد نفسيًا، وعزله اجتماعيًا عن بيئته بتحويل الأسرى إلى مجموعة من الوشاة غير قادرين على التواصل مع بعضهم البعض. والتحرش الجنسي والمضايقات هي التقنية الثانية الأكثر فاعلية.

وكانت التقنية الأخرى عقب التدمير النفسي للفرد، هي إعادة هيكلة سلوكه. وهو ما أطلق عليه الصينيون لفظ «إعادةالتثقيف». وقد نتج عنه غسيل المخ كما وضح إدوارد هانتر في كتابه. سرد هانتر في كتابه تفاصيل الحرب الكورية، أنه حتىوبعد عودة الأسرى إلى ديارهم، لم يتمكنوا من الانخراط في المجتمع كما كانوا من قبل. ووضعوا أنفسهم في سجون بلاقضبان حيث عاشوا وحدهم وعانى بعضهم بإحساس عميق بالذنب حتى ماتوا.

واستوحى فيما بعد، المحققون والضباط العاملون في سجون جوانتانامو من تلك العملية التي استخدمها الصين قبل ستين عام تقريبا، ومارسوا أساليب التعذيب والاستجواب التي استخدمتها الصين من قبل مع الأسرى الأمريكيين في الحرب الكورية.

لقد كشف التقارير والأخبار التي وصلت من تركستان الشرقية، أن الأساليب الصينية الشيوعية التي استخدمت خلال الحرب الكورية للحصول على الاعترافات، استخدمت مع أشكال متطورة في غسل مخ شعب تركستان الشرقية تحت شعار “إعادة التأهيل”. فمن هذه الأشكال التي تشمل التعذيب الجسدي والنفسي الحرمان من النوم، والتقييد لفتراتٍ طويلة، الإجبار على الوقوف لفتراتٍ طويلة للغاية، في بعض الأحيان يتم ذلك في برد قارس للغاية بحسب الشهود والأخبار، والتجارة بأعضاء المعتقلين كما انتشر في السنوات الماضية (تجارة أعضاء الحلال)، وجعل المعتقلين محاطًا دائمًا بالقذارة، وعدم الإذن للذهاب إلى الحمام حيث تبقى النجاسة في داخل ملابسه أياما، وأحيانًا القتل المفاجئ أمام السجناء الآخرين، وتعريضهم إلى حرارة قصوى أو البرودة القصوى ورفع درجة التوتر، ونهب إرادتهم، أو منع الأدوية العلاجية التي يحتاجها السجين. وهو الأمر الذي أضعف القوى البدنية والعقلية للمعتقلين ودمر مقاومتهم، حتى يخرجوا من السجن مفقودين عقولهم تماما أو نصفيا، أو مدمرا نفسيتهم. كما اخترعت الحكومة الصينية التجويع القسري في الأيام الأخيرة في أرض تركستان الشرقية التي ادخر الله تعالى خيرات الأرض فيها. لقد تعرض نصف الناس في المعسكرات النازية للجوع باتهامات مختلفة، واحتجز النصف الآخر في المنازل حتى انتشرت المجاعة الجماعية في مدن تركستان الشرقية كغولجا وكاشغر وخوتن. وقد حرم الفلاحون والمزارعون من حصاد زراعتهم وبيع محاصيلهم الاقتصادية. بل تركت المحاصيل والفواكه في الحقول والحدائق حتى تتعفن. وبذلك صنعت الحكومة الصينية مجاعة تحت شعار مكافحة فيروس كوفيد 19.

وبتلك الوسائل يريد الصينيون قتل عقول تركستان الشرقية بشكل كامل. وبهذه الجريمة الممنهجة المبرمجة تريد الصين تحقيق أهدافها وهي: تغيير الهوية والقيم والأفكار والمعتقدات والاتجاهات المستقرة لشعب تركستان الشرقية، حتى تصبغ الشعب التركستاني بصبغة التصين كاملا.

وفي الأخير لا يمكن لنا إلا أن نقول بإيمان وثقة (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين).

تصفّح المقالات

مركز حقوق الطبع والنشر لدراسة الأويغور - جميع الحقوق محفوظة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies.