• واشنطن العاصمة
تابعنا:

خطاب وزير الأمن العام يوضح كيف وجه شي جين بينج شخصيا الاعتقالات الجماعية في تركستان الشرقية  

يؤكد الباحث أدريان زينز في بحثه بعنوان “ملفات شرطة شينجيانج” الصادر حديثا على حجم الحملة القمعية وعلى الدور الذي تلعبه بكين في صياغة هذه الحملة.

منذ عام 2017، اعتقلت الحكومة الصينية أعدادا كبيرة من الأيغور وغيرهم من القوميات التركية. حاول المراقبون من خارج الصين فهم طبيعة وحجم هذا التوجه بشأن الحملة القمعية، ولكنهم بسبب التضييق والعوائق للدخول إلى منطقة شينجيانغ للحكم الذاتي للأيغور، فضلا عن القيود الصارمة المفروضة على التواصل الرقمي، لم يتمكنوا من معرفة ذلك. وهناك سؤالان ظهرا على وجه الخصوص من جديد: كم عدد الأشخاص الذين أرسلتهم الحكومة الصينية إلى السجون أو معسكرات “إعادة التأهيل”؟ وإلى أي مدى كان تدخل ومشاركة الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينج مباشرة في هذه الجهود؟


أما الآن فقد قدمت وثيقة داخلية صادرة عن الحكومة الصينية، دعما جديدا للحجم غير العادي من الاعتقالات خلال المرجح أنه بلغ ذروته في عامي 2018 و2019. هذه الوثيقة، التي تتضمن نسخة من خطاب وزير الأمن العام زهاو كيزي في 15 يونيو/حزيران 2018، تعزز تقديرات الاحتجازات السابقة بأنها معقولة، وتضيف إلى الأدلة التي تؤكد أن جمهورية الصين الشعبية كانت قد أقدمت على اعتقال ما بين مليون ومليوني أويغوري وغيرهم من الأقليات العرقية مع أواخر عام 2010. كما يشير الخطاب أيضا إلى معرفة شي جين بينج ودعمه بنشاط للإنفاق المستمر على بناء مرافق اعتقال إضافية وتوظيف مزيد من حرس السجون لإدارة تدفق المعتقلين.

كان خطاب زهاو، إلى جانب عشرات الآلاف من وثائق الحكومة الصينية وجداول البيانات، والتي قمت بتسميتها باسم “ملفات شرطة شينجيانج”، والتي تم الحصول عليها من قبل شخص نجح في الوصول إلى شبكات الكمبيوتر الداخلية التابعة للشرطة في مقاطعتين تقطنها غالبية من الأويغور والكازاخ في شينجيانج: وهما كوناشيهر (شوفو) وتيكيز (تيكيسي). إن النسخة المكتوبة من خطاب زهاو هي عبارة عن مسح ضوئي غير منقح لنسخة ورقية، تحمل عنوان “وثيقة سرية” على صفحتها الأولى.

إن الأبحاث التي تستند إلى كل من الوثائق المتاحة للجمهور والوثائق الداخلية الصادرة عن الحكومة الصينية تعتبر مهمة جداً، وذلك لأن الحكومة الصينية عملت جاهدة لمنع المراقبين الدوليين من جمع المعلومات مباشرة من هناك. بدأت الحملة الرامية إلى إعتقال أعداد كبيرة من الأيغور وغيرهم من الجماعات العرقية التركية، وحبسهم في السجون، فضلا عن مرافق “إعادة التأهيل” (والتي تعني حرفيا “التحول في الفكر والتثقيف من خلال التعليم”)، والتي بدأت منذ خمس سنوات مضت، في عام 2017. ولقد كتب الباحثون والمراسلون على نطاق واسع عن هذه الحملة القمعية، التي لا تكتفي بالسجن فقط، بل وأيضا التدابير القسرية للحد من الحمل، وتقييد الممارسات الثقافية والشعائر الدينية، وتسخير العمل القسري.

ومع غياب البيانات المستقلة المحايدة ـ أو أي معلومات رسمية جديرة بالثقة من جانب الحكومة الصينية ذاتها ـ فقد ترك للمراقبون تقدير أعداد الأشخاص الذين قامت الدولة بإعتقالهم. وهذه التقديرات تعتمد على مجموعة من المنهجيات المختلفة، بداية من الاتصال بضباط الشرطة المحليين، إلى استقراء التقديرات من جداول البيانات الحكومية المسربة، إلى تحليل المصاريف المالية للأطعمة المقدمة لأماكن “إعادة التأهيل”. وهذه التقديرات في حد ذاتها متباينة أيضا على نطاق واسع. وقد كانت توقعاتي الخاصة لأعداد المحتجزين من عام 2018 تتراوح بين عدة مئات الأولوف إلى مليونين شخص؛ وفي عام 2019، وبالإستناد جزئيا على جداول البيانات الحكومية المسربة التي تبين أرقام المحتجزين في العديد من بلدات وقرى الأيغور، قمت بزيادة هذا التقدير إلى ما بين 900,000 إلى 1.8 مليون شخص. وهذا التقدير تم قبوله لدى العديد من العلماء والباحثين في المنطقة

ولعدة سنوات، وبشكل مماثل لم يكن المراقبون على يقين من الدور الدقيق الذي يلعبه الأمين العام شي جين بينج أو الحكومة المركزية في هذه الحملة. وبالرغم أنه كان واضحاً أن شي جين كان على علم وبموافقته لمجموعة من السياسات التي تؤدي إلى مثل هذه العواقب البعيدة المدى، إلا أن قلة المعلومات عن العمليات الحكومية الصينية الداخلية منعت الباحثين من الجزم بالقول أن شي بينج كان له أي دور مباشر في صياغة هذه السياسات.

كما أن خطاب زهاو يقدم دليلا إضافيا على أن ما بين مليون إلى مليوني شخص كانوا في السجون بكل تأكيد. كما يظهر الخطاب أن شي بينغ كان شخصياً لديه معرفة تفصيلية عن هذه الحملة، وأنه أصدر تعليمات أدت إلى استمرارها وتوسيعها. ألقى زهاو الخطاب في أورومشي عند نهاية زيارته “للتحقيق” دامت خمسة أيام إلى شينجيانج. كما شارك في الزيارة عدد آخر من كبار قادة الحكومة المركزية كجزء من الوفد للمنطقة.

وقد أكد زهاو على دعم بكين لجهود الاعتقال الجماعي. ففي الجزء الأول من خطابه، قام بتلخيص إنجازات المنطقة الجديرة بالثناء وأثنى على السلطات الإقليمية لأنها “نجحت حتى الآن في تحقيق التحول من خلال التأهيل”. كما قام بمراجعة الجدول الزمني الذي سارت عليه الحكومة الإقليمية في تنفيذ الإجراءات الصارمة التي لم يسبق لها مثيل. وبعد وصول سكرتير الحزب لمنطقة شينجيانج تشن كوان قوه، بدأت خطة عمل للمنطقة مدتها خمس سنوات: بدايتها وعامها الأول (2017)، تحت هدف “تثبيت” المنطقة؛ وفي العام الثاني، “توطيد” هذه المكاسب؛ وفي العام الثالث، تحقيق “التطبيع الأساسي” للحالة الجديدة؛ وبحلول العام الخامس (2021)، الوصول إلى “الاستقرار الشامل”.

وقد أكد تشين كوان على نفس الخطة الخمسية في الخطاب الذي ألقاه بعد ثلاثة أيام من خطاب زهاو . يقول تشين انه تم “إرساله” الى شينجيانج من قبل شي بينج نفسه ليس كمهمة روتينية، بل كمهمة خاصة للامة : ” لقد ارسلني الأمين العام الى شينجيانج، أولا، ليس لمجرد أن أكون مسؤولا؛ ثانيا، ليس من أجل جمع ثروة؛ ثالثا، ليس من أجل أن لا يكون لدي شيئ سوى منصب فارغ. بل لقد أرسلني الأمين العام إلى شينجيانج سعياً إلى جعل شينجيانج مستقرة. . .” ويضيف تشين أنه أخبر شي بينج شخصيا بأنه مستعد للعمل في شينجيانغ لمدة 10 سنوات. ولكن في ديسمبر/كانون الأول 2021 قامت بكين باستبدال تشين بما شينجوري حاكم إقليم جوانجدونج . وهذا التغيير ـ لاستبدال تشين، والذي من المرجح أن إرساله إلى شينجيانج بسبب غلظته وتعامله الوحشي للتبيت وسمعته كشخص منضبط في الحزب وصاحب القبضة الحديدية، بينما ما شينجوري ، بمثاية العالم التكنوقراطي ـ هذا ربما يدل على أن بكين كانت قد نظرت إلى خطتها الخمسية في شينجيانج في أيد أمينة.


وفي الجزء الثاني من خطاب زهاو، فقد سلط الضوء على التحديات القائمة وأولويات العمل اللازمة للمرحلة الحالية من “توطيد” الخطة. فهو يسرد المشاكل التي لا تزال تواجه المنطقة ويؤكد أن نضال مكافحة الإرهاب الذي تخوضه الدولة “لا يمكن تخفيفه بأي شكل من الأشكال”. وهنا يبدأ زهاو في التلميح إلى عدد الأشخاص المستهدفين بإعادة التأهيل أو السجن. وقد أطلق على ممارستهم الدينية بالتفكير التركي. ان منطقة شينجيانج الجنوبية تضم اكثر من مليوني شخص تأثروا بشكل كبير بتسلل الفكر الديني المتطرف، وتتكون من مجموعتين، كل مجموعة تتضمن مليوني شخص وتشكلان تهديداً داخلياً للاستقرار.


أول هاتين المجموعتين من “المليونين شخص”، هم أولئك “المتأثرون بتأييد استقلال إقليم شينجيانج، والاسلاميين وفكر القومية التركية، ويقصد بذلك الأشخاص المتمسكون بالتراث الديني والثقافي والغوي على نطاق واسع. وهم الأيغور والكازغ والقيرغز وبقية الجماعات من العرقية التركية الأخرى. وتربط بكين هذا الشعور بالهوية الصينية من غير عرقية الهان، أو كامل العرقيات التركية، والتي تطلق عليهم بالانفصاليين، وكثيراً ما تصف اعتقادهم وتمسكهم بالدين بأنه بمثابة “السم” للعقل ولابد من استئصاله من خلال “إعادة التأهيل”. كما حدد زهاو أن المجموعة الثانية من “المليوني شخص” ممن يتواجد في جنوب شينجيانج، حيث نسبة الأيوغور وغيرهم من الشعوب التركية أعلى كثيرا من نظيرتها في الشمال. والواقع أن إشارة زهاو إلى “الفكر الديني المتطرف” قد يطلق تقريباً على كل من يقوم أو يمارس الشعائر الدينية، نظرا لتوسع بكين في تعريف ما تطلق عليه “التطرف”.


ولا يتهم زهاو هاتين المجموعتين بالعنف أو المقاومة ضد الدولة. بل إن هويتهم الثقافية والدينية هي في المقام الأول التي تجعلهم أهدافا “لإعادة التأهيل”. إن هذا التوجه المكثف الذي يهدف إلى وصف الناس باعتبارهم تهديدا للدولة يتوافق إلى حد كبير مع روايات الشهود، والأدلة الوثائقية، والصور الملتقطة بالأقمار الصناعية، والتي تشير جميعها إلى القيام باعتقالات على نطاق واسع للغاية.


ورغم أن زهاو قام بتحديد المجموعتين بشكل منفصل، إلا أن تتداخلان مع بعضهما بشكل مؤكد. فالشخص “المتأثر بالفكر الديني المتطرف” في الجنوب على سبيل المثال، ربما يكون أيضا من الأشخاص أصحاب الميول الى القومية التركية. ومن الصعب أن نعرف حجم هذا التداخل بين المجموعتين، وعما إذا كان زهاو يتحدث عن المجموع الكلي لمليوني شخص أو أربعة ملايين شخص. ولكن نظرا للديموغرافيا السكانية الإقليمية، فإن التداخل قد يكون صغيرا إلى حد كبير، حيث يقترب العدد الإجمالي من ثلاثة أو أربعة ملايين: ففي عام 2018، كان ما يقارب نحو 3.5 مليون من الأيغور، والكازاخ، والقيرغيز يعيشون في شمال شينجيانج، أي كل العرقيات التركية التي تصفهم الدولة بأن لديهم ميوول لتبني العرقية التركية. وهذا يعني أن مليوني شخص من الممكن أن يتم تصنيفهم ضمن هذه المجموعة وحدها.


ولم يؤكد زهاو بشكل قاطع أن أيا من هاتين المجموعتين من الأشخاص (المليونين) قد تم أو سيتم اعتقالهم وسجنهم. ورغم ذلك فقد أوضح مسؤولون صينيون رفيعو المستوى مرارا وتكرارا أنهم يعتقدون أن “إعادة التأهيل” تشكل الحل الرئيسي لإحتواء الإرهاب والتطرف الديني. وقد تضمنت المقالات، والتقارير الإعلامية الرسمية، وغير ذلك من التصريحات الرسمية تصف مراكز إعادة التأهيل، بأنها تعمل على قطع دابر الإرهاب والتطرف الديني من جذوره، وقد أثنى زهاو في خطابه على مراكز “إعادة التأهيل” للنجاح في “التنفيذ مركزي لإعادة التأهيل لأولئك الذين تأثروا بالفكر الديني المتطرف”، مشيرا إلى أن هاتين المجموعتين “المليوني شخص”، إن لم يكن هناك أي أمر آخر، فإن هاتين المجموعتين هما من الصنف التي تسعى السلطات لاعتقالهم وتغيير فكرهم ومعتقاداتهم.


كما أشار تشين في خطابه بمثل ذلك الذي تحدث به زهاو عن أولئك الذين “تأثروا بالفكر المؤيد لاستقلال إقليم شينجيانج، وفكر الإسلاميين، وكذلك التفكير بالقومية التركية”، ووصفهم بأنهم “مجموعة كبيرة نسبيا من الناس”. وقد نبه تشين الكوادر الصينية على “الإبقاء على أجراس الإنذار مدوية” والاستمرار في تنفيذ “استراتيجية شي جين بينج في مقاطعة شينجيانج”. ويتفق هذا مع تصريحات زهاو والتي تربط مسؤولية شي بينج بشكل مباشر أكثر بالاعتقال الجماعي.


وفي القسم الأخير من خطابه، يناقش زهاو المغزى العملي من العنوان العريض “لإعادة التأهيل” الذي تم توضيحه بأنه : اكتظاظ السجون ومرافق الاحتجاز بالمعتقلين نتيجة لحملة الاعتقال الجماعية.


فقد وضع زهاو نظاما للسجون وغيرها من مرافق الاعتقال التي تحتجز المعتقلين بأعداد كبيرة تزيد عن قدرة الاستيعاب لديها. وكان “نجاح” حملات “الضرب بشدة ” و”قلع التطرف” أدت الى زيادة أعداد المعتقلين بالمعسكرات مقارنة بقدرتها الاستيعابية بحلول منتصف عام 2018 (وقد ذكر زهاو “الاعتقالات الزائدة” أربع مرات في خطابه). وفي الواقع فإن زهاو يلفت الانتباه إلى تلك التدابير التي تم اتخاذها، من أجل تخفيف الضغوط المفروضة على سجون في شينجيانج، بالقيام بإجراءات مثل نقل أفراد الشرطة من أجزاء أخرى من الصين إلى إقليم شينجيانج ونقل المعتقلين من الأيغور من شينجيانج إلى أقاليم أخرى، ولو بأعداد صغيرة نسبيا. ويؤكد زهاو للمسؤولين الإقليميين أن الحكومة المركزية سوف توافق قريبا على التمويل اللازم لبناء مراكز اعتقال إضافية في جنوب شينجيانج. كما يؤكد أيضا أن بكين سوف “تزيد من قوة دعمها” لتغطية “التكاليف الباهظة” لتشغيل وصيانة معسكرات الاعتقال في شينجيانج.


ورغم أن زهاو لم يذكر قط عدد الأشخاص الذين تم سجنهم بالإقليم على وجه التحديد، فإن تأكيده على اكتظاظ السجون يشهد على أن هناك أعداد كبيرة للغاية من المعتقلين، وهذا ما يتوافق مع شهادات الشهود منذ ذلك الوقت تقريبا. كما أنه يفسر أيضا لماذا كانت هناك زيادة مطردة في النصف الثاني من عام 2018 في إنشاء مراكز الاعتقال أو توسعتها، كما بينت ذلك الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية. ومن الواضح أن الحكومة المركزية قد أعتمدت التمويل اللازم لذلك، تماما كما وعد زهاو. وفي عام 2021، قدر الخبراء أن التوسع في معسكرات الاعتقالات منذ عام 2016 سيسمح للاقليم باحتجاز ما لا يقل عن مليون معتقل جديد، إذا كان يتم سجنهم وفقا لمعايير الدولة للحد الأدنى من المساحة المخصصة لكل سجين. وإذا كانت أماكن الاعتقال مكتظة بالسكان، كما يشير زهاو في خطابه، فإن المساحات الإضافية التي تم إنشاؤها بعد عام 2016 من الممكن أن تتسع لأكثر من مليون شخص اضافي، وهذا من دون النظر إلى القدرة الاستيعابية لأماكن الاعتقال الموجودة من قبل.


وهناك المزيد من الدعم لهذه التقديرات والتي تتراوح ما بين مليون ومليوني شخص تم الحصول عليها من شواهد أخرى في ملفات الشرطة بإقايم شينجيانغ. فهناك جداول بيانات تحتوي معلومات لأكثر من 280,000 شخص يعيش في إقليم [كونشهر] ويظهر أن في عام 2018 تجاوزت النسبة المئوية 12 في المائة من كل البالغين كانوا ضمن المعتقلين أو المسجونين بشكل ما. وهذا يتفق مع تقديراتي السابقة بأن ما بين 7.7% إلى 15.4% من سكان العرقية التركية البالغين في منطقة شينجيانج قد تم اعتقال بعضهم في فترة ما، ويشير إلى أن اجمالي عدد المعتقلين ربما يبلغ أو يزيد على مليون شخص.


وهناك وثائق أخرى في ملفات الشرطة بإقليم شينجيانج تشير إلى أن هناك فئة تتجاوز “500,000 من الأشخاص غير جديرين بالثقة”. حيث أن التسريبات السابقة للبيانات وصفت أيضا المحتجزين بأنهم “أشخاص غير جديرين بالثقة”، ولكنهم لم يذكروا مجموعة محددة بشكل خاص من هم الأشخاصالـ “500,000 غير جديرين بالثقة”. ومثل تلك الإشارة إلى المجموعتين “المليوني شخص”، فإن هذه العبارة قد تشير إلى مجموعة أخرى من الناس الذين تستهدفهم الحكومة من أجل “إعادة التأهيل”. (يبدو تعريف الحكومة لـمصطلح “غير جدير بالثقة” واسعا للغاية: ففي يوليو 2017، اعتقلت امرأة تبلغ من العمر 32 عاما وصنفت بأنها واحدة من “500,000 شخص غير جديرين بالثقة” لأنها شاركت في “أنشطة ليلية غير عادية” وأن هاتفها “كانت تغلقه بشكل متكرر”). ومن الجدير بالملاحظة أن عبارة “500,000 شخصا غير جديرين بالثقة” تظهر في جداول البيانات تلك باعتبارها المصطلح الأكثر عمومية “أشخاصا غير جديرين بالثقة”. وفي اعتقادي أن هذا يشير إلى أن “500,000 ألف شخص غير جدير بالثقة” من المحتمل أنه تصنيف كفئة فرعية ضمن النطاق الأوسع لمصطلح “غير جدير بالثقة”، وهذا يعني أن مجموع “الأشخاص غير الموثوق بهم” يتجاوز في واقع الأمر أكثر من 500,000 ألف شخص. ان التوجيهات المحلية والتي تضمنتها ملفات شرطة شينجيانج تذكر بوضوح أنه يجب اعتقال الاشخاص “غير الموثوق بهم” : وكان هناك إعلان عام على مستوى إحدى المناطق من عام 2018 ابريل ينص على أنه ” يجب اعتقال جميع اولئك الذين لا يمكن الوثوق بهم من اجل اعادة تأهليهم “. وبعد بضعة أشهر من ذلك العام ، قال رئيس شرطة المنطقة إن الأشخاص “غير الموثوق بهم” لابد أن “يتم وضعهم في أماكن جديرة بالثقة حتى يتسنى لهم تغيير وتحويلهم تدريجياً”.


كما يقدم خطاب زهاو أيضا دليلا على الإطلاع والدور النشط الذي يلعبه الأمين العام شي جين بينج في توجيه السياسة في مقاطعة شينجيانج. ويقول زهاو إن “التعليمات الهامة التي صدرت عن شي بينج بشأن حكم وإدارة مقاطعة شينجيانج وفقا للقانون، وتوحيد إقليم شينجيانج وترسيخ الاستقرار فيه، هي في واقع الأمر تعليمات بالغة الأهمية. لأن بناء شينجيانج على المدى الطويل سيوفر الاساس لاولويات سياساتة المتعددة والتي تم توضيحها في خطابه بما في ذلك ” نقل أعمال وادارة مركز تعليم المهارات المهنية والتدريب ضمن مجالات القانون ” (اي ارساء تلك الاولويات كأماكن تعمل بشكل قانوني). ويصف زهاو بأن شي بينج وجه السلطات في شينجيانج إلى “العمل على اقتلاع التطرف من الاقليم”، وهو ما يتضمن وفقا لتصريح زهاو “التحول من خلال التعليم” الذي يتم في مراكز “إعادة التأهيل”. ووفقا لما ذكره زهاو ، فبعد أن قام زعيم الحزب المركزي قوه شنجون بالإبلاغ عن التحديات التي واجهها خلال زيارته لشينجيانج في إبريل 2017، فقد أمر شي بينج نفسه السلطات الإقليمية “بتنفيذ تدابير عملية مثل التوسع في زيادة عدد الموظفين العاملين في أماكن الاعتقالات”، توسيع القدرة الاستيعابية [لهذه الأماكن]، وزيادة الاستثمار [في هذه الأماكن] ضمن الإطار الزمني المحدد”.


ومن غير المستغرب أن يكون خطاب زهاو مستند على دعم الأمين العام شي جين بينج، وإلى زعامته ورؤيته، وإلى اهتمامه الوثيق والدور الهادي الذي لعبه في إدارة إقليم شينجيانج في “العصر الجديد”. والواقع أن زهاو يعطي الفضل إلى شي بينج بوضع الخطة التي بموجبها تتمتع المنطقة الآن “بالاستقرار” ويشيد بهذه الخطة باعتبارها “خطة صحيحية وحكيمة”. وحتى لو كانت هذه اللغة والأسلوب يعكس جزئيا الضرورة السياسية المتمثلة في مدح زعيم الأمة بلا انقطاع، فإن خطاب زهاو يشير إلى أن مشاركة شي بينج الشخصية في سياسة إقليم شينجيانج كانت سببا في تحديد التطورات الفعلية على الأرض. وعلى أقل تقدير، كان لدى شي بينج فهم شامل وتفصيلي عن حملة الاعتقالات الجماعية كما أنه لعب دورا في توجيهها.


وبحلول أوائل عام 2022، وصلت الاستراتيجية الخمسية لتهدئة منطقة شينجيانج التي وضعتها بكين الى نهاية مدتهاــ وهذا يعني أن شينجيانج تعيش الآن حالة من “الاستقرار الشامل” وفقا للمخطط الزمني. والواقع أن التواجد الواضح لقوات الشرطة والضوابط الأمنية والاستجوبات التي كانت قائمة أثناء الفترة 2017-2018، قد فسحت المجال إلى حد كبير لوجود نظام المراقبة أكثر وضوحا وأكثر توسعاً وانتشاراً. في خطابه الذي ألقاه في يونيو 2018، شرح تشين كيوان أن المنطقة سوف تتحول نحو دولة أمنية “غير مرئية”، حيث “لا يتم تقليص” قوة الشرطة، بل تصبح ببساطة أقل ظهوراً، وحيث يمكن حشد واستدعاء هذه القوة “على الفور” إذا لزم الأمر. والواقع أن هذه التدابير الموضوعة مثل الاعتقال الجماعي في معسكرات “إعادة التأهيل” كانت تشكل ما أشارت إليه مجموعة من الباحثين الصينيين في بحث أكاديمي بوصفه “التدابير الجذرية القصيرة الأمد” كانت “ضرورية وفعالة للغاية”.


ولكن حتى في عام 2017، وفي نسخة من خطاب آخر من ملفات الشرطة في شينجيانج، توقع تشين بالفعل أن بعض المحتجزين في معسكرات “إعادة التأهيل” “ربما لم يتحولوا وتتغير قناعاتهم بالضرورة إلى شيء آخر حتى بعد ثلاثة أو خمسة أعوام”. وبالرغم من إطلاق سراح بعض المعتقلين، فإن روايات الشهود والأدلة الوثائقية المنشورة عبر قاعدة بيانات لضحايا إقليم شينجيانج تشير إلى أن كثيرين آخرين صدرت ضدهم أحكام بالسجن لفترات طويلة منذ ذلك الوقت. ويؤكد خطاب زهاو أن بكين لم تمنح الأولوية لبناء وتوسيع أماكن ومراكز “إعادة التأهيل” فحسب، بل وأيضا السجون التي من شأنها أن تضع بها العديد من الأفراد بعد فترة “إعادة التأهيل” الأولية. ومن المرجح الآن أن “إعادة التأهيل”الذي يقول زهاو أنه لابد له من الاستمرار ولمدة طويلة، فإنها تتم حالياً في السجون بدلا من معسكرات الاعتقال، والتي تخدم فعليا كآلية قانونية للسجن التعسفي.


إن حملة القمع التي قامت بها بكين في شينجيانج، والتي اعتمدت على اقتحام منازل السكان بمنتصف الليل واعتقالهم واقتيادهم والذي تم على نطاق واسع، يمر الآن بمرحلة جديدة. ففي عهد أمين الحزب الحالي بمنطقة شينجيانج، ما شينخوا كروي، بدأت المنطقة الآن في مبادرة تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات لتعزيز مشاريع البنية الأساسية و”التنمية الاقتصادية العالية الجودة”.


ولكن في عام 2022، وصفت خطة عمل الحكومة الإقليمية الصراع من أجل فرض الاستقرار الاجتماعي بأنه “لا يزال قاتما ومعقدا”. في شهر إبريل أعطى ما ينج جيو أقوى إشارة حتى الآن إلى أن بعض أشكال إعادة التأهيل، سوف تستمر حين أعلن أن شينجيانج سوف تعمل إلى أقصى حد ممكن على تعليم وإنقاذ الأشخاص الذين تأثرهم بالأفكار المتطرفة وهذا تعبير ملطف شائع الاستخدام فيما يتصل بإعادة التأهيل في المعسكرات. حيث لا يزال العديد منهم يقبعون في السجون ومراكز الاعتقال حتى الآن. وبالنسبة للمسنين، بما في ذلك الشخصيات الثقافية والدينية الهامة، فإن مدة اعتقالهم تم تمديدها بالسجن مدى الحياة. وفي نفس الوقت، تستمر الدولة في تدمير الروابط المجتمعية التقليدية والثقافية من خلال نقل العمالة القسرية، وفصل الآباء عن الأطفال، والقضاء على اللغة الأيغورية من خلال المدارس الداخلية، و”تحسين” الهياكل السكانية العرقية من خلال سياسات منع الولادة، والهجرة المقررة لـ 300,000 ألف مستوطن صيني من أسرة هان إلى مناطق الأيغور. وإلى جانب عدم تواجد الشرطة في المنطقة واستخدام التقنيات للمراقبة والمتابعة، فإن هذه التدابير ودعمها من أعلى المستويات القيادية في الصين ترقى إلى شكل غير مرئي وبطيء من أشكال الإبادة الجماعية.

ترجمة مركز الدراسات الأويغورية من الإنجليزية بإذن من المؤلف الدكتور أدريان زنز

التقرير نشر أولا في موقع China File

الترجمة نشرت في مدار الساعة الإخبارية

تصفّح المقالات

مركز حقوق الطبع والنشر لدراسة الأويغور - جميع الحقوق محفوظة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies.