• واشنطن العاصمة
تابعنا:

شمس الدين دامُلَّا – مائة من عظماء تركستان الشرقية في التاريخ الحديث

مائة من عظماء تركستان الشرقية في التاريخ الحديث – 34


وُلِد شمس الدين دامُلَّا عام 1299 هـ (1881-1882 م) في أرتوج التابعة لكاشغر. أكمل تعليمه الأولي في مدارس أرتوج عام 1898، ثم التحق بمدرسة خانليغ في كاشغر، حيث مكث هناك عشر سنوات. في عام 1908، سافر إلى بخارى لمواصلة طلب العلم، ودرس هناك لمدة تسع سنوات. لكن مع الفوضى التي عمّت آسيا الوسطى عام 1917، أصيب التعليم في بخارى بالشلل، مما اضطره إلى العودة إلى مسقط رأسه. هناك، بدأ التدريس في مدرسة خانليغ كمدرّس من المستوى الثاني، وبعد وفاة عبد القادر دامُلَّا، تولى رئاسة المدرسة.

في عام 1929، سافر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج برفقة قوتلغ شوقي. خلال رحلته، التقى بالعديد من العلماء العرب والمصريين، وعلم عن احتفالات جامعة الأزهر بمناسبة ذكرى 1360 عامًا على ميلاد النبي محمد ﷺ. قرر زيارة مصر برفقة قوتلغ شوقي، حيث شارك في حفل المولد النبوي بالأزهر. بعد مغادرته مصر، زار تركيا ومدن آسيا الوسطى قبل أن يعود إلى وطنه الأم في عام 1931.

عند عودته، وجد أن الوضع السياسي في تركستان الشرقية يسوده الاضطراب والقمع، حيث كانت حكومة جين شورين تنفذ سياسات إرهابية لترسيخ حكمها. في المقابل، لاحظ أن الشعب يتطلع إلى الحرية، مستوحىً من الانتفاضات الثورية التي اندلعت في بعض مدن تركستان الشرقية. لذلك، واصل شمس الدين دامُلَّا عمله التعليمي، حيث كان يدرّس في المدرسة، وفي نفس الوقت يفسّر القرآن الكريم لتحفيز وعي الشعب.

خلال دراسته في بخارى، تأثر شمس الدين دامُلَّا بالأفكار الإصلاحية الحديثة، حيث كان يطّلع على الصحف والمجلات الصادرة في آسيا الوسطى وقازان. وبعد عودته من الحج، تبنّى المذهب السلفي، وظهر ذلك جليًا في تفسيره للقرآن الكريم. ولم يكن شمس الدين دامُلَّا مدرسًا مشهورًا فحسب، بل كان أيضًا ناشطًا اجتماعيًا مشهورًا.

منذ عام 1884، كانت البعثة التبشيرية المسيحية السويدية تنشط في كاشغر، حيث قامت ببناء كنيسة ومدرسة تحت غطاء تدريس الطب والأعمال الخيرية، واستهدفت الأيتام بالدعوة إلى المسيحية.

في عام 1924، قاد شمس الدين دامُلَّا وعبد القادر دامُلَّا حركة شعبية ضد البعثة التبشيرية، حيث نظموا الطلاب في مدرسة خانليغ، وحشدوا الشعب ضد هذا النشاط التبشيري. ونتيجة لهذه الانتفاضة، تم إحراق مركز التوزيع الديني للبعثة المسيحية السويدية في كاشغر، وتم تدمير المطبعة والمعدات التابعة لها.

شمس الدين دامُلَّا كان له دور بارز في تحرير الشعب خلال اجتماع فبراير 1936 في كاشغر. في 28 يناير 1934، تقدمت ثلاث كتائب عسكرية بقيادة مافويان من آقسو إلى كاشغر لدعم قوات ماجيان سانغ التي كانت محاصرة داخل المدينة. بعد سماع هذا الخبر، انسحب الثوار إلى يني حصار وياركند، مما سمح لمافويان بدخول كاشغر بسهولة والتمركز بالقرب من جامع عيد كاه.

حاول يوسف جان تنفيذ هجوم مباغت بتنكر جنوده في زي الفلاحين، إلا أن مافويان لجأ إلى الخداع، حيث تظاهر بأنه انسحب من المدينة، مدعيًا أنه يتوجه لمواجهة قوات القائد كيجك أخون. وعندما عاد يوسف جان إلى كاشغر، كانت قوات مافويان وماجيان سانغ قد أعدت كمينًا محكمًا، ما أدى إلى هزيمة قواته بالكامل.

بعد ذلك، نفذ مافويان مجزرة وحشية استمرت لثلاثة أيام بين 7 و9 فبراير 1934، قُتل فيها 4508 مدنيًا بريئًا، وتكدست الجثث في الشوارع، فيما أُغلقت الأسواق وأصبحت الحياة في المدينة محفوفة بالخطر. أطلق جنود مافويان النار على أي شخص يتحرك، بغض النظر عن عمره أو جنسه، مما جعل الخروج إلى الشوارع أمرًا مميتًا.

إزاء هذه الكارثة، قاد شمس الدين دامُلَّا وفدًا من أكثر من مئة عالم، بينهم أفندي مخدوم وجمال أخون خلفتم وتوكل أخون خلفتم وطوختي علم أخون وزبيب الله علم أخون، متوجهين إلى ما جيان سانغ. مرتدين عمائمهم البيضاء وحاملين المصاحف، سعوا لإيقاف المجازر وإقناع القائد العسكري بعدم استهداف المدنيين.

أمام هذا التحرك، قال شمس الدين دامُلَّا لما جيان سانغ إن الشعب لا علاقة له بالصراع، وإن قتل الأبرياء أمر ظالم سيؤثر سلبًا على الجميع. رد ما جيان سانغ ساخرًا بأن عمائم العلماء أثقل من فرقة عسكرية كاملة، مطالبًا بعدم التدخل. لكن مع استمرار الضغط، اضطر إلى رفع الحصار عن المدينة وفتح أبوابها، مما أوقف عمليات القتل وأعاد شيئًا من الأمن إلى السكان.

بسبب مكانته بين العلماء والشعب، تم تعيين شمس الدين دامُلَّا وزيرًا للأوقاف في جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية التي تأسست في كاشغر عام 1933.

في 13 أبريل 1934، تم توقيع اتفاق سري بين خوجا نياز والاتحاد السوفيتي، نصّ على أن الاتحاد السوفيتي سيبيع الأسلحة الحربية لخوجا نياز بشرط تسليم وزراء حكومة “جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية” إلى شن شي ساي. التزامًا بهذا الاتفاق، قام خوجا نياز باعتقال وزراء الدولة، ومن بينهم ثابت دامُلَّا، وظريف قاري، وسلطان بك، ثم سلمهم إلى شن شي ساي.

أما شمس الدين دامُلَّا، فتمكن من الاختباء في مقاطعة مارال باشي، لكنه توفي هناك في أكتوبر 1934 بعد معاناة شديدة بسبب التهاب المعدة الحاد، ودُفن في تلك المنطقة.

كان شمس الدين دامُلَّا شاعرًا وكاتبًا بارعًا، خاصة في كتابة الغزل والرباعيات والقصائد الطويلة. وعلى الرغم من أنه كتب معظم قصائده باللغة العربية، إلا أن معظم أعماله لم تصل إلى عصرنا بسبب تقلبات الزمن. فكل ما نعرفه قصيدته التالية، رثا بها حينما استشهد عبد القادر دامُلَّا:

أيا شجرة الرمان مالك نظرة

كأنك لم تجزع لابن الوارث

كما كتب قصيدة أخرى على قبر محمود حكيم بك عندما زار مقبرة السلطان سطوق بُغْراخان، جاء فيها:

ثاني محمود كاشغرننك يورتي آتوش مشهدي

باباسي مير أحمد سلطان سطوق شيخي إيدي

ياخشي إيزلار قالديرب كتتي أجل اول رحمتي

دين مللت خدمتيدان مكاني بولغاي جننتي

من بين أعماله المعروفة أيضًا كتاب “مهمات الزوجين”، الذي ألّفه في كاشغر عام 1313 هـ (1895 م)، حيث تناول فيه واجبات المرأة تجاه الرجل، وأساليب تربية الأبناء، وواجبات الرجل تجاه الأسرة. طُبع هذا الكتاب لأول مرة عام 1908 في طشقند بدار طباعة غولامية، ثم أعيدت طباعته في كاشغر عام 1374 هـ (1954-1955م). تضمنت أول 12 صفحة من الكتاب تفسيرًا لسورة الفاتحة.

تصفّح المقالات

مركز حقوق الطبع والنشر لدراسة الأويغور - جميع الحقوق محفوظة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies.