• واشنطن العاصمة
تابعنا:

ممنوع الصيام: نضال الأويغور من أجل الحرية الدينية

بقلم عبد الحكيم إدريس

إن الصيام خلال شهر رمضان ليس مجرد واجب ديني للمسلمين، بل هو فعل إيمان وصمود وتفانٍ. وبينما يلتزم ملايين المسلمين في جميع أنحاء العالم بهذا الشهر المبارك بحرية، يُحرم الأويغور في تركستان الشرقية (المعروفة أيضًا باسم منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم) من هذا الحق الأساسي، حيث يُجرَّم إيمانهم، وتُحطم تقاليدهم، ويُمحى وجودهم وهويتهم بشكل منهجي

لعدة قرون، كان الصيام خلال شهر رمضان حجر الأساس في ثقافة الأويغور، وممارسة روحية تجمع العائلات والمجتمعات معًا. لا زلتُ أتذكر الأجواء المفعمة بالانسجام خلال طفولتي في خوتن، حيث كنتُ أُشاهد الجيران يتقاسمون ما لديهم من طعام ويدعون بعضهم البعض للإفطار. كأطفال، كُنّا نذهبُ من بيت إلى بيت آخر خلال وقت الإفطار لجمع الهدايا. لقد كان رمضان بالنسبة لنا شهرًا للتضامن والتقدير لما نملك، وفرصة لشحن طاقتنا من أجل البقاء. لكن اليوم، وفي مشهد مرعب من القمع الحكومي، لقد شنّ الحزب الشيوعي الصيني حربًا على الإسلام في منطقة الأويغور، مفروضًا قيودًا وحشية تجعل من الصيام عملاً محفوفًا بالمخاطر وأحد أشكال المقاومة

تكشف التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، والشهادات المباشرة، والوثائق الحكومية المسربة عن واقع بائس. يُجبر الأويغور – وخاصة الموظفين الحكوميين والطلاب والمعلمين – على الأكل والشرب في نهار رمضان، في انتهاك صارخ لمعتقداتهم الدينية. لقد حوَّلت السلطات الصينية تركستان الشرقية إلى سجن مفتوح، حيث تتم مراقبة العائلات الأويغورية وأماكن عملها وعبادتها بشكل صارم. حتى مجرد الاشتباه بالصيام يمكن أن يؤدي إلى الاستجواب أو المضايقة أو الاعتقال. وقد نظمت السلطات الصينية مهرجانات لشرب الكحول في جميع أنحاء تركستان الشرقية لضمان عدم التزام الأويغور بالصيام

أما المساجد القليلة المتبقية فهي تخضع لرقابة مشددة، وغالبًا ما يتم حظر أو تثبيط التجمعات المجتمعية للإفطار. كما أن ارتداء الملابس الدينية، وتعليم الإسلام للأطفال، أو مجرد التعبير عن الإسلام يمكن أن يُصنَّف على أنه “علامة على التطرف” – وهي ذريعة اتخذت لاعتقال مئات الآلاف من الأويغور في معسكرات الاعتقال الصينية سيئة السمعة

والنتائج كارثية. فهناك جيل ضائع من الأطفال الأويغور الذين يجبرون على الاندماج القسري، ويفصلون عن عائلاتهم، ويُربَّون دون هوية دينية أو ثقافية. أما الأويغور في المنفى، فيعيشون في عذاب مستمر، وهم يعلمون أن أحبائهم في الوطن لا يمكنهم ممارسة شعائر دينهم بحرية. لقد فقد كثيرون الاتصال بعائلاتهم تمامًا، ولا يعلمون ما إذا كانوا لا يزالون أحياء أو محتجزين في شبكة “معسكرات الاعتقال” الصينية الهائلة. وبالنسبة للعديد من الأويغور، فإن الخيار قاسٍ: إما التخلي عن معتقداتهم الدينية أو مواجهة الاضطهاد والسجن أو ما هو أسوأ. أصبح الصيام – وهو فعل تطهير روحي – شكلًا صامتًا من أشكال الاحتجاج ضد نظام استبدادي مصمم على محو إيمان الأويغور وهويتهم. فالحكومة الصينية تعمل بشكل متعمد على قطع صلة الأويغور بالإسلام، واستبدال إرثهم الأصيل بإيديولوجية شيوعية شوفينية مفروضة من الدولة

إن الحظر المفروض على الصيام ليس سياسة معزولة – بل هو جزء من حملة موثقة جيدًا للإبادة الثقافية ضد الأويغور. إلى جانب الاندماج القسري للأطفال، والاعتقالات الجماعية، والعمل القسري، والتعقيم القسري، والزواج القسري، فإن الهجوم الصيني على الحرية الدينية للأويغور هو محاولة ممنهجة لتفكيك هوية عرقية ودينية كاملة

لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل صامتًا. يجب على الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان والقادة الدينيين أن يتخذوا موقفًا ضد هذا الانتهاك الجسيم للحقوق الأساسية. وعلى وجه الخصوص، يجب على الدول الإسلامية، والمؤسسات والمنظمات الإسلامية، والأمة الإسلامية أن تتخذ إجراءات حقيقية. إن كلمات الإدانة وحدها ليست كافية؛ لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة كالتالي:

أولا: عقوبات أقوى: يجب على الحكومات فرض عقوبات أشد على المسؤولين الصينيين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.

ثانيا: ضغط دبلوماسي: يجب على الأمم المتحدة والقادة العالميين المطالبة بالوصول غير المقيد إلى منطقة الأويغور للتحقيق في هذه الجرائم.

ثالثا: دعم أصوات الأويغور: يحتاج النشطاء الأويغور والمجتمعات المنفية إلى تضامن عالمي، وحماية قانونية، ومنصات لعرض قصصهم.

إن الحرية الدينية ليست امتيازًا، بل هو حق أساسي. يجب ألا يكون الصيام، أو الصلاة، أو الإيمان أمرًا تخضع لرقابة الحكومات. لا بد أن يقف العالم مع شعب الأويغور، ليس بالكلمات فحسب، بل بالأفعال. فالنضال من أجل العدالة والكرامة والحرية الدينية في تركستان الشرقية ليس مجرد قضية أويغورية – بل هو معركة عالمية لحقوق الإنسان التي تهمنا جميعًا.

تصفّح المقالات

مركز حقوق الطبع والنشر لدراسة الأويغور - جميع الحقوق محفوظة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies.