• واشنطن العاصمة
تابعنا:

خوجا نياز حاجي – مائة من عظماء تركستان الشرقية في التاريخ الحديث

مائة من عظماء تركستان الشرقية في التاريخ الحديث – 14

يعتبر خوجا نياز حاجي زعيم الثورة الوطنية لتركستان الشرقية في الثلاثينيات من القرن العشرين. في ربيع عام 1931، قاد خوجا نياز انتفاضة مسلحة ضد الاضطهاد الصيني الذي اندلع في قمول، ولعب دورًا مهمًا في نشر نيران الثورة إلى أنحاء تركستان الشرقية بأكملها. في 12 نوفمبر 1933، انتخب رئيسًا لجمهورية تركستان الشرقية الإسلامية التي تأسست في كاشغر.

ولد خوجا نياز في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في إحدى قرية قمول. تختلف المصادر حول سنة ميلاده. وتشير بعضها إلى 1887، دون توثيق دقيق. كان والده، أمين نياز، من الشخصيات البارزة في قريته، وعين رئيسا لها من قبل أمير قمول.

قضى خوجا نياز طفولته في جبال قمول، وعندما بلغ سن التعليم، أرسله والده إلى مدرسة بمدينة قمول، ثم التحق إلى المدرسة الملكية، التي كانت آنذاك أرقى مؤسسة تعليمية في المنطقة. كان يدرس فيها أولاد الطبقات العليا مثل بشير ابن أمير قمول شاه مقصود. بعد قرابة عشر سنوات من الدراسة، عاد إلى مسقط رأسه، وتزوج.

في السنة الثانية من زواجه، أجبرته الحكومة على القيام بأعمال السخرة. حيث طُلب منه نقل بحمل الحطب والقش من القرية إلى حرس الحدود المتمركزين على حدود تركستان مع الصين. خلال هذه الرحلة التي استغرقت شهرًا، أدرك خوجا نياز بمدى الظلم الذي يمارسه النظام الصيني ضد الأويغور، وزاد شعوره بالقهر بعد تعرضه لإيذاء وحشي على أيدي العصابات الصينية هناك، فاشتعلت نيران الانتقام في قلبه.

يقال: إن خوجا نياز شارك في ثورة تورفان في عام 1907. بعد فشلها، اختبأ لفترة في جبل قمول، لكنه اضطرّ لاحقا للانتقال إلى تورفان بسبب كثرة الجواسيس في الجبل. هناك، عرَّف نفسه باسم إسحاق من مقاطعة توقسون، ودرس في مدرسة أستانا. خلال هذه الفترة، تعرف على مقصود محيطي ومحمود محيطي في أستانا، وأقام معهما صداقة عميقة.

ومع ذلك، لم يتمكن من البقاء في أستانا بسبب إعلان الأمير لوكجين.  نصحته والدته بأداء فريضة الحج. غادر البلاد وأدى الحج، مكث عدة سنوات في مكة، حيث استفسر عن أحوال بلده من الحجاج الآخرين، حتى عاد إلى مسقط رأسه.

في عام 1912، اندلعت ثورة في قمول بقيادة تيمور خليفة، وكان خوجا نياز من المشاركين البارزين فيها، حيث اشتهر بين الثوار بشجاعته. ومع ذلك، تعرضت الثورة للقمع بوحشية نتيجة دهاء السياسي يانغ زي شين وخبرته العسكرية. وفي عام 1913، قُتل تيمور خليفة على يد يانغ زي شين، وصدر أمر باعتقال خوجا نياز كأحد الشخصيات الرئيسية في الانتفاضة.

بدأ خوجا نياز حياته الجديدة في الخفاء، فهرب سرًا إلى جبال قمول، ومن هناك انتقل إلى آلتاي. لكنه لم يستطع البقاء طويلًا، فاضطر للرحيل إلى جوجك، حيث عمل عاملًا مأجورًا في مزرعة محمود باي. لم يدم الأمر طويلًا حتى وصل إعلان من أمير قُمُل إلى المنطقة، مما أجبره على الفرار مجددًا. هذه المرة توجه إلى ياركند، التي كانت حينها تحت حكم روسيا القيصرية، وهناك وجد ملجأ في قصر عبد الولي باي يولداشوف، أحد أبرز أثرياء الأويغور.

أعجب عبد الولي باي بمهارته في القنص، وخفة حركته، حيث أخذه إلى قصره. في عام 1916، أصدر القيصر مرسومًا عامًا بتجنيد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا في الجيش الروسي، الذي قد عانى من خسائر فادحة في الحرب الأوروبية. في هذا الوقت، أرسله عبد الولي باي ليحل مكان ابنه. وحظي خوجا نياز لفرصة استخدام جميع الأسلحة الحديثة الثقيلة والخفيفة تحت خدمة في الجيش الروسي خلال الحرب العالمية الأولى.

في عام 1917، اندلعت الثورة البلشفية في روسيا وانهارت الإمبراطورية القيصرية. في تلك الفترة، عاد خوجا نياز إلى وطنه، مسلحاً بخبرة عسكرية واسعة ووعي سياسي متزايد، أمضى بعض الوقت في أورومجي وتورفان.

مع مرور السنوات وتقدم الأمير شاه مقصود في العمر، نُسيَت قضيته تدريجيًا. بعد مراقبته للوضع في أستانا لفترة، عاد إلى مسقط رأسه، قمول.

درس بشير نجل شاه مقصود أمير قمول مع خوجا نياز في طفولته وكان معجبًا برمايته. فأصدر عفو ملكي عنه لتوطيد منصبه. حتى أخذه للعمل في بلاط والده شاه مقصود. فقام خوجا نياز لفترة في القصر الملكي وساعده في شؤون البلاط، وعين فيما بعد رئيسًا لحرس القصر.

في عام 1931، اندلعت ثورة في قمول، وسرعان ما أصبح خوجا نياز قائدا لجيش الثورة. بعد فترة من القتال العنيف، تمكن الثوار من السيطرة على جبال الأثني عشر بالكامل، مما أدى إلى زعزعة حكم الحاكم جينغ شورين. في خضم هذه الأحداث، قاد ماجونغ يانيغ – قائد الطائفة التونغان – قواته العسكرية من قانسو إلى قمول تحت شعار “مساعدة الثورة الإسلامية”. عند وصوله، حاصر مدينة قمول.

أرسل جين شورين جيشًا كبيرًا قوامه 5000 جندي، مكونًا من فرسان الاتحاد السوفيتي ومجهزًا بأسلحة حديثة، تحت قيادة الجلاد شنغ شي ساي. وفي ظل هذا الوضع الخطير، قرر ماجونغ يانيغ ملأ جيوبه بالأسلحة والبضائع التي أخذها من باريكول، ثم فرّ إلى قانسو، تاركًا الثوار يواجهون مصيرهم بمفردهم.

في تلك الأثناء، قام الجلاد شنغ شي ساي بطلاء مدينة قمول بالدماء، حيث نفذ عمليات قتل جماعي لمدة عدة أشهر. كما دمَّر القصر الملكي والمدرسة الملكية التي كانت تبلغ من العمر 300 عام بالنيران، مما أسفر عن تدمير جزء كبير من تاريخ المدينة. مع تراجع الثوار، بقيادة خوجا نياز، إلى جبال قمول، حيث بدأوا في شن حرب عصابات ضد الجيش الضخم الذي كان يقوده شنغ شي ساي.

في هذا الوقت، أولت الحكومة السوفيتية اهتمامًا وثيقًا للثورة الوطنية في تركستان الشرقية، التي تعتبر بمثابة “الفناء الخلفي” لها في آسيا الوسطى. على الرغم من أن الحكومة السوفيتية دعمت في البداية ثورة قمول، حيث وصفتها بأنها “ثورة الأمم المضطهدة ضد القمع القومي”، إلا أنها استمرّت في مراقبة التطورات المستقبلية للثورة، مع تقييم مستمر لما قد يترتب عليها. 

أدرك الثوار بقيادتهم أن انتصار الثورة لن يتحقق دون دعم الدول المجاورة، لذلك أرسلوا وفدًا خاصًا إلى منغوليا الخارجية – جمهورية منغوليا حاليا – في ربيع عام 1932. قام الوفد بتسليم رسالة موقعة من قبل القادة السبعة الرئيسيين لثورة قمول، بقيادة خوجا نياز، إلى حكومة منغوليا الخارجية. وتضمنت الرسالة ما يلي: “لقد ثرنا أخيرًا على الاضطهاد الصيني، نريد أن نموت في سبيل استعادة أرضنا إلى سيادتنا. لقد قاومتم بالماضي اضطهاد الصينيين وضحيتم بحياتكم حتى انفصلتم عن الصينيين. لقد رأيتم هذه الظلم الذي رأيناه من قبل، لذا أرجوكم المساعدة والتوجيه.” 

وقد استجابت حكومة منغوليا الخارجية على الفور بإرسال وفد خاص بقيادة جامسين دورجي إلى جبال قمول، حيث زودت الثوار بكميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والملابس. ومع ذلك، وباعتبار منغوليا الخارجية دولة خاضعة لنفوذ الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، أرسلت منغوليا، بناءً على توجيهات داخلية من موسكو، ضابطين خاصين هما قاسم أفندي وآباي أفندي للعمل وسط الثوار ومتابعة تحركاتهم عن قرب.

بحلول نهاية عام 1932، انتفض شعب تورفان مستلهمين ثورة قمول. ورغم أن الثوار تمكنوا في البداية من تحقيق انتصار مؤقت بتحرير مدينة تورفان القديمة والمناطق المحيطة بها، إلا أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام القوة العسكرية الصينية المتفوقة والمجهزة بأسلحة حديثة، مما أسفر عن تكبدهم خسائر فادحة.

في بداية عام 1933، قاد زعيم ثوار تورفان، مقصود محيطي، مجموعة من رجاله إلى خوجا نياز، ودعاه للانضمام إلى الثورة في تورفان. استجاب خوجا نياز للدعوة وسار إلى تورفان مع قواته الخاصة. لكن، وللأسف، استشهد مقصود محيطي في ربيع عام 1933 خلال معركة فك حصار لوكجين، إثر إصابته برصاص العدو. بعد استشهاد مقصود محيطي، تعاون خوجا نياز مع محمود محيطي، زعيم آخر لثوار تورفان، وأقاموا قاعدة في الجزء الشمالي من تورفان استعدادًا لمهاجمة أورومجي. في هذه الأثناء، قاد ماجونيغ يانيغ جيشه من قانسو للمرة الثانية، مما أضاف تحديات جديدة أمام الثوار.

قرر الثوار بقيادة خوجا نياز وضع خلافاتهم السابقة مع الطائفة التونغان جانبًا، وأبرموا اتفاقًا مع ماجونيغ يانيغ لتحقيق هدفهم المشترك. بموجب هذا الاتفاق، تولت قوات ماجونيغ يانيغ مهاجمة جيمسار، بينما قاد خوجا نياز الثوار لشن هجوم على حصن موري.

بعد معركة شرسة، رفع جنود جين شورين في موري الراية البيضاء، معلنين استسلامهم وموافقتهم على تسليم الأسلحة في صباح اليوم التالي. ولكن، في تلك الليلة، أرسل ماجونغ يانيغ رجاله سرا إلى داخل أسوار مدينة موري، واستولى على جميع الأسلحة والذخيرة من القوات الصينية هناك، مستغلاً الوضع لصالحه. 

في صباح اليوم التالي، عندما علم خوجا نياز بما حدث، اشتعل غضباً وواجه ماجونيغ يانيغ، مطالبا بإعادة الأسلحة التي استولى عليها من موري، ومع ذلك، لم يعد حتى بندقية واحدة. أدرك خوجا نياز عندها أنه قد وقع ضحية  لخديعة جديدة من قبل الطائفة التونغان، وأن هدف ماجونغ ينغ لم يكن “مساعدة الإخوان المسلمين”، بل تحقيق طموحاته السياسية وتمهيد الطريق لمخططاته الخاصة.

في هذا الوقت، وقعت “ثورة 12 أبريل السياسية” في أورومجي، التي أدّت إلى عزل جينغ شورين من السلطة. استغل شنغ شي ساي، المدعوم بقوة عسكرية كبيرة، هذه الفرصة للسيطرة على الوضع في أورومجي، وأعلن نفسه “الحاكم العام”. بادر شنغ شي ساي بإرسال رسالة إلى موسكو من خلال القنصل السوفيتي في أورومجي، معلناً نفسه بأنه معتقد بالشيوعية، ومتعهدا بأنه، في حال تلقيه المساعدة العسكرية والدعم اللازم من الاتحاد  السوفيتي، سيؤسس “إقليما اشتراكيا  جديدا” تحت مظلة الاتحاد السوفيتي. استجابة لهذا العرض، قرر الاتحاد السوفيتي تغيير موقفه تجاه الثورة الوطنية في تركستان الشرقية التي بدأت في قمول، وبدلا من دعم الثوار، قدم دعمه العسكري لشنغ شي ساي. كما أعلن عن موقفه المعارض لماجونغ ينغ، والعمل على التوسط بين المتمردين المحليين بقيادة خوجا نياز وشن شي ساي. 

في تلك الأيام التي تدهورت فيها علاقة خوجا نياز مع ماجونيغ يانيغ، أرسل شنغ شي ساي وفدًا إلى خوجا نياز الذي تمركز مع جيشه قرب فوكانيغ، وذلك بناء على توجيهات الاتحاد السوفيتي. 

التقي قنصل الاتحاد السوفيتي في أورومجي، والممثل المفوض لشنغ شي ساي، وعدد من الوجهاء البارزين والمحترمين في أورومجي، مثل تورسون بابا، بشكل منفصل مع خوجا نياز ومحمود محيطي.

في هذا الوقت، كان خوجا نياز غاضبًا من خداع قوات التونغان، مما جعله في حالة من الحيرة بشأن الطريق الذي يجب أن يسلكه لمستقبل الثورة الوطنية. وفي تلك الأوقات الاستثنائية، أرسل شنغ شي ساي وفدًا للوساطة، وبدعم من الاتحاد السوفيتي الذي شجع على الحوار وطمأنة الأطراف، مما جعل خوجا نياز يعيد التفكير في موقفه.

في النهاية قرر خوجا نياز بقبول المصالحة، فوقع على “اتفاق جمسار” المكونة من ست نقاط. وفقًا للاتفاقية، تم تقسيم جغرافية تركستان الشرقية إلى قسمين بناء على جبال تنغري تاغ. حيث سيطر شنغ شي ساي على الجزء الشمالي من الجبال، بينما سيطر الثوار بقيادة خوجا نياز على المناطق الواقعة جنوب الجبل، بما في ذلك قمول وتورفان. بناء على هذا الاتفاق، قاد خوجا نياز ومحمود محيطي الثوار في مسيرتهم نحو جنوب جبال تنغري تاغ في صيف نفس العام.

جمع ماجونغ يانغ قواته واستعد لشن هجوم على أورومجي، لكن هجماته العنيفة على المدينة باءت بالفشل مرتين. كان الهجوم الأخير، في نهاية عام 1933، الأكثر كارثية، حيث واجه جيشه مقاومة شديدة من الجيش الأحمر السوفيتي الذي عبر الحدود لدعم شنغ شي ساي. بعد هذه الخسائر، اشتعل غضب ماجونغ يانغ. جمع فلول جيشه، وبدلًا من التراجع، ركز غضبه على خوجا نياز، فلاحقه وهاجمه، ثم واصل تحركاته نحو الجنوب.

في ذلك الوقت، انتشرت شرارة الثورة إلى جنوب تركستان الشرقية. وفي أوائل عام 1933، قاد محمد أمين بُغْرا ثورة خُتَن التي انتهت بانتصارها وتشكيل حكومة ختن الإسلامية. مع حلول فصل الربيع، انضم تيمور علي القادم من كوجا إلى قائد القرغيزيين عثمان علي لتحرير مدينة كاشغر القديمة. بجهودهم المشتركة، تمكنوا من طرد القوات الصينية من المدينة.

في صيف عام 1933، وسط تعقيدات الأوضاع السياسية والعسكرية في تركستان الشرقية، وصل ثابت دامولام إلى كاشغر من خُتَن وأسس أولاً “مكتب حكومة كاشغر”. بعد ذلك، بدأ التخطيط والإعداد لإنشاء جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية. 

في تلك الأثناء، وبعد انسحابه إلى الجنوب عقب مواجهاته مع قوات ما جونغ يانيغ، وصل خوجا نياز إلى كوجا. تمكن من جمع 80 ألف رأس من الأغنام. تم استخدام هذه الأغنام كعملة لدفع ثمن شراء الأسلحة من الاتحاد السوفيتي، حيث نُقلت عبر منطقة أوج تورفان إلى الجانب السوفيتي، لتعزيز القدرات العسكرية للثوار.

في 12 نوفمبر من عام 1933، تم إعلان جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في كاشغر. ومع أن هذا الإعلان كان بمثابة خطوة هامة في تاريخ المنطقة، إلا أن ثابت دامولام لم يستشر خوجا نياز ولا حكومة خُتَن قبل اتخاذ هذه الخطوة، كما أشار محمد أمين بُغْرا في كتابه “تاريخ تركستان الشرقية”. على الرغم من أن هذا الحادث أزعج خوجا نياز، إلا أنه لم يعارض على إعلان جمهورية تركستان الشرقية وعُين رئيسًا للجمهورية الإسلامية.

في يناير 1934، قاد خوجا نياز ومحمود محيطي قواتهما للوصول إلى مدينة كاشغر، حيث حاربوا ضد التونغان والصينيين الذين كانوا يقاتلون داخل أسوار يني شهير. لكن الوضع كان معقدا في كاشغر، خاصة بسبب الفصائل المسلحة المتناحرة في المدينة، مما جعل الأمور تتعثر بالنسبة للقوات القادمة من الشمال. استمر القتال ضد القوات التونغانية والصينية لمدة ثمانية أشهر. بالإضافة إلى ذلك، وصلت قوات ماجونيغ يانيغ إلى كاشغر في نهاية يناير 1934 وانضمت إلى صفوف العدو. ونتيجة لذلك، اضطرت القوات المسلحة الفصائلية إلى الانسحاب من كاشغر، التي احتلتها قوات التونغان في أوائل فبراير 1934م. وعرفت هذه الواقعة باسم “مأساة فبراير” في ناريخ تركستان، ل حيث شهدت كاشغر أفظع مجزرة في تاريخها، إذ قُتل الآلاف من السكان المحليين وتم نهب ممتلكاتهم.

بعد الانسحاب من كاشغر، توجه خوجا نياز إلى المركز الحدودي السوفيتي في أَرْكَشْتام لاستلام  الأسلحة التي اشتراها من الاتحاد السوفيتي. إلا أن الممثل السوفيتي هناك أخبره بصرامة: “نحن نعترف فقط بحكومة شنغ شي ساي في أورومجي. أما أنت، فقد أصبحت رئيس جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية، التي أسسه ثابت دامولام في كاشغر، وهذا يتعارض مع معاهدة جمسار ومصالح الاتحاد السوفيتي. إذا كنت بحاجة إلى الأسلحة، يجب عليك تطهير “النظام المتمرد” لثابت دامولا وأعضاء حكومته، حتى نعترف بك حليفا لنا، وسنوفر الأسلحة لحكومة شن شي ساي، لكن عليك أن تأخذها منه.” هذا الأمر تركه في وضع عوص وعسير. لأنه كان يدرك تماما أن نتيجة الثورة الوطنية لتركستان الشرقية كانت مرتبطة بشكل كبير بدعم الاتحاد السوفيتي. كما كان يعلم أن الاتحاد السوفيتي هو القوة العظمى التي أجلست شنغ شي ساي على العرش، وكذلك هي التي سحقت جيش ماجونيغ يانيغ المكون من 10000 جندي الذين هاجموا أورومجي.

بعد أن تسربت تفاصيل لقاء خوجا نياز مع الجانب السوفيتي، عقد مجلس وزراء جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية اجتماعًا طارئًا في يني حصار بتاريخ 2 مارس 1934 لمناقشة هذه التطورات. خلال الاجتماع، تم إصدار القرار رقم 30 الذي رفض بشكل قاطع اقتراح خوجا نياز بالتحالف مع حكومة شنغ شي ساي تحت ضغط من الحكومة السوفيتية. كما قرر المجلس إحالة قضية عزله من منصب رئيس الجمهورية الإسلامية والقائد الأعلى للقوات المسلحة إلى المجلس الأعلى للدولة للنظر فيها. 

ألقى ما تشونغجينغ خطابًا في كاشغر وأعلن فيه بفخر أنه “هزم النظام الانفصالي لجمهورية تركستان الشرقية الإسلامية وحافظ على وحدة أراضي الصين”. بعد ذلك، قاد قواته لمهاجمة يني حصار، حيث دارت معركة ضد قوات خُتَن بقيادة الأمير عبد الله والأمير نور أحمد اللذين استشهدا خلالها. وبذلك تمكنوا من السيطرة على يني حصار. ومع سقوط المدينة، غادر عدد من الشخصيات البارزة في مجلس الشورى لجمهورية تركستان الشرقية إلى الخارج. بينما انسحب ثابت دامُلَّا وظريف قاري إلى ياركند.

تحت ضغوط هائلة من الاتحاد السوفيتي، اتخذ خوجا نياز قرارًا مأساويًا باعتقال قادة جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية. ورغم أن قراره كان نتيجة لتلك الضغوط، إلا أن عواقبه كانت وخيمة، وأثرت بشكل دائم على صورته كقائد للثورة الوطنية. هذا الخطأ، الذي أتى في ظروف عصيبة، أصبح وصمة عار في تاريخ ثورة تركستان الشرقية الوطنية، رغم نضاله وإسهاماته الكبيرة في الدفاع عن قضية شعبه.

بأوامر من خوجا نياز، قام محمود محيطي باعتقال ثابت دامُلَّا، وظريف قاري، والقائد العسكري سلطان بك. وبينما تمكن سلطان بك من الهروب أثناء نقله إلى مركيت، رفض ثابت دامُلَّا الفرار رغم توفر الفرص لذلك، مفضلًا مواجهة مصيره.

في صيف عام 1934، وتحت ضغط كبير من الروس، اضطر ما جونغ ينغ لعبور الحدود سرًا واللجوء إلى الاتحاد السوفيتي برفقة عدد قليل من قواته الخاصة. أما فلوله، بقيادة ماخوسان، فقد توجهت نحو خُتَن، وبدأت في تدمير القوات العسكرية التابعة لجمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في مناطق مثل يني حصار، وياركند، وقارغليق. ثم واصلت هذه القوات زحفها شرقا، حيث تمكنت من هزيمة جيش خُتَن والإطاحة بحكومة خُتَن الإسلامية.

عندما وصل خوجا نياز إلى مارال باشي عبر طريق مركيت، التقى بالجنرال مالكوف، قائد الجيش الأحمر السوفيتي من أصل تتري، الذي كان في انتظاره هناك. أبلغه مالكوف أن الحرب قد انتهت، وأن الاتحاد السوفيتي يدعم بشكل كامل “حكومة مقاطعة شينجيانغ الجديدة” بقيادة شنغ شي ساي. بناءً على ذلك، أُبلغ خوجا نياز بأنه يجب أن يتوجه إلى أورومجي لتولي منصب نائب رئيس “حكومة مقاطعة شينجيانغ”.

ناقش خوجا نياز هذه المسألة بشكل منفصل مع الجنرال محمود محيطي. وعلى الرغم من أن محمود محيطي لم يرَ ذهاب خوجا نياز إلى أورومجي أمرًا ضروريًا، إلا أنه شعر أن معارضة توصيات دولة كبيرة مثل الاتحاد السوفيتي، الذي يُعد العمود الفقري لشن شي ساي، لن تؤدي إلى نتائج جيدة. بعد العديد من المداولات، قرر خوجا نياز الذهاب إلى أورومجي، وأصدر أوامره لمحمود محيطي بقيادة قواته إلى كاشغر والاستقرار هناك.

وهكذا،  وضع خوجا نياز ثقته في وعود الاتحاد السوفيتي، مصطحباً بعض من أقاربه وحراسه الشخصيين إلى أورومجي في أغسطس 1934، هناك تولى منصب نائب رئيس حكومة المشكلة الجديدة التي شكلها شنغ شي ساي. كما ذكر عبد الرحيم أوتكور في ختام روايته التاريخية “إيز”، فإن “مقاطعة شينجيانغ” (تركستان) التي تأسست عام 1884، شهدت لأول مرة بعد نحو نصف قرن تولي شخصية أويغورية منصب نائب رئيس الإقليم. أما محمود محيطي، تم تعيينه نائبا لقائد حامية جنوب البلاد، وقائد الفرقة السادسة لسلاح الفرسان الأويغور برتبة “اللواء” واستقر في مدينة كاشغر.

عند وصوله إلى أورومجي، تدخل خوجا نياز بنشاط في شؤون حكومة المقاطعة. بفضل جهوده، تم تعيين حكام ووزراء وقضاة من الجماعات العرقية المحلية على أساس الأويغور لأول مرة. كما ازداد عدد الطلاب الأويغور المقبولين في المعهد العالي الإقليمي، ودار المعلمين، والمدارس العسكرية الإقليمية. تدخل خوجا نياز شخصيًا في قرار إرسال ثلاث دفعات من الطلاب إلى جامعة آسيا الوسطى في طشقند، مما أدى إلى زيادة نسبة الطلاب الأويغور إلى 60٪ بالمائة. بالإضافة إلى ذلك، لعب دوراً بارزاً في تأسيس جمعية الأويغور المركزية في أورومجي وفروعها في المقاطعات الأخرى، وساهم في افتتاح المدارس تحت إشراف تلك الجمعيات.

بحلول نهاية عام 1935، بدأ كل من شن شي ساي والاتحاد السوفيتي بالعمل على السيطرة على خوجا نياز والحد من سلطته، وقطع علاقاته مع قوات الأويغور في كاشغر بقيادة الجنرال محمود محيطي. وفي النصف الثاني من العام نفسه، أرسل الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي مجموعة من الضباط الخاصين إلى أورومجي، منهم: منصور أفندي (مشور روزيف) وهاشم، وسعيد، وقادر. استقر منصور أفندي في أورومجي وبدأ في السيطرة على خوجا نياز تحت اسم “مستشار الحكومة المحلية”. كما سيطر على رابطة الأويغور المركزية في أورومجي وصحيفة الأويغور التابعة لصحيفة تركستان.

وأما سعيد فقد تولى منصب نائب رئيس مكتب شرطة أورومجي، بينما عين هاشم في مكتب شرطة مقاطعة قمول، وقادر كنائب رئيس مكتب شرطة مقاطعة كاشغر. سعى منصور أفندي بكل الوسائل لقطع العلاقات الداخلية بين خوجا نياز ومحمود محيطي وقواته في كاشغر. في عام 1936، قاد منصور رحلة استكشافية خاصة إلى كاشغر بهدف تقليص سلطة الجنرال محمود محيطي. طالب منصور بالاستيلاء على الأراضي الوقفية التابعة لرابطة الأويغور، وتسليمها لما يسمى أحفاد آفاق خوجا في إقليم شيان. كما طالب بالسيطرة على صحيفة “حياة الجديدة” التي كان يديرها قطلوغ شوقي، لكنه واجه معارضة قوية من الجنرال محمود محيطي وفشل في تحقيق مطالبه . زاد منصور أفندي الضغط على محمود محيطي من خلال دعم عبد الغفور شافتول دامُلَّا، الذي كان يميل إلى شنغ شي ساي في كاشغر، إلا أن محمود محيطي لم يتردد في الرد، وقام بقتل عبد الغفور شافتول دامُلَّا، مما أدى إلى إفشال خطط منصور.

في النصف الثاني من عام 1936، ازدادت الضغوط من شنغ شي ساي والاتحاد السوفيتي على خوجا نياز والجنرال محمود محيطي. شعر خوجا نياز، الذي بقي في أورومجي مع عدد قليل من الحراس، أنه أصبح محاصرا تماما، كما لو إن يديه ورجليه مقيدتين. أصبح قائدا بلا جيش، وضابطا بلا رتبة، مما دفعه إلى قطع علاقته مع الجنرال محمود محيطي في كاشغر. 

بحلول بداية عام 1937، بلغ ضغط شنغ شي ساي والاتحاد السوفيتي على الجنرال محمود محيطي في كاشغر إلى ذروته. لم يبق أمامه أي خيار سوى المغادرة. فترك كاشغر في أوائل أبريل من ذلك العام متوجها إلى الهند، برفقة بعض أصحابه وأقربائه.

مع رحيل الجنرال محمود، تدهور الوضع في الجنوب بشكل كبير، واندلعت ثورة من قبل جنود الأويغور بقيادة عبد النياز كمال. استغل ماخوسان الفرصة، وأرسل قواته من ختن إلى كاشغر، وانضم إلى عبد النياز لمهاجمة أورومجي. في هذا الموقف الصعب، أرسل شنغ شي ساي الأوامر إلى قوات الأويغور في كاشغر نيابة عن خوجا نياز طالبًا منهم الحفاظ على السلام. تحت الضغط الشديد من شنغ شي ساي، نشر خوجا نياز “أوامر” و “خطابات” لجنود الأويغور في كاشغر في صحيفة “شينجانغ” و “جريدة كاشغر”، متهمًا الجنرال محمود محيطي بأنه “خائن”، و”ذيل الإمبرياليين”.

بناءً على طلب شنغ شي ساي، جلبت حكومة الاتحاد السوفيتي مرة أخرى العديد من أفواج الآلية التابعة للجيش الأحمر السوفيتي. فهاجموا جنود الأويغور الذين ساروا نحو أورومجي تحت قيادة عبد النياز كمال، بالإضافة إلى جنود ماخوسن الذين كانوا يسيطرون على خُتَن.

نتيجة لرحيل الجنرال محمود محيطي، وقمع جنود الأويغور الذين ثاروا بقيادة عبد النياز كمال، انتهت القوات التي تهدد نظام شن شي ساي. وبذلك، قام شن شي ساي بفصل خوجا نياز، الذي بقي في أورومجي مع عدد قليل من الحراس، عن القوات العسكرية في كاشغر التي كانت تحميه. لم يبق لدى شن شي ساي حاجة إلى نائب رئيس إقليمي.

في منتصف أكتوبر 1937، نفذ شن شي ساي عملية اختطاف واسعة النطاق في جميع أنحاء تركستان الشرقية، حيث اعتقلت الوزراء، وقضاة المقاطعات، والشخصيات البارزة، ورجال الدين، والأثرياء، والمثقفين، وضباط الجيش. شملت الاعتقالات الجميع بدءا من نائب الرئيس خوجا نياز وصولا إلى حكام الأويغور في مختلف المقاطعات، بل حتى الطلاب لم يسلموا من هذا الاعتقال.

بعد اعتقال خوجا نياز، استجوبه فريق من المحققين الذين تم استدعاؤهم من قبل الاتحاد السوفيتي. قدم شن شي ساي، عبر هاشم نائب رئيس قسم شرطة قمول، وثائق مزورة تثبت وجود صلات سرية بين خوجا نياز والإمبريالية اليابانية، وذلك لتدعيم الاتهامات ضده أمام المحققين السوفييت.

كان من المضحك أن شن شي ساي، الذي درس في إحدى الجامعات العسكرية في اليابان ودرس الاستراتيجيات العسكرية اليابانية، اتهم خوجا نياز، الذي نشأ في الجبال ولم يلتق بأي شخص ياباني في طوال حياته، بأنه جاسوس ياباني.

بعد اعتقاله، أخذت السلطات جميع ممتلكاته، بما في ذلك عدة مزارع في تورفان، ومئات الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة. ونُظمت عدة اجتماعات عامة في أورومجي، حيث أُحضِرَ نجله سعد الله وبعض أقاربه قسراً إلى المنصة، وأُجبروا على قراءة الاتهام، بأنه “خائن” و”ذيل الإمبرياليين” و”جاسوس ياباني” وبعبارات أخرى.

أدرك خوجا نياز، الذي أضعفه التعذيب اللاإنساني والاستجوابات المستمرة في سجن شنغ شي ساي، أن الثورة الوطنية التي قادها في ثلاثينيات القرن الماضي قد انتهت بلا فائدة. ضاعت دماء الآلاف من المجاهدين سدى، كما أن الأخطاء التي ارتكبها كقائد للثورة أدت إلى نتائج كارثية. شعر بأسف عميق تجاه ما حدث، وكان ندمه شديداً على الأخطاء التي ارتكبها.

هناك روايات مختلفة حول السنة التي قُتل فيها خوجا نياز في سجن شنغ شي ساي، ولكن معظم المصادر تشير إلى أنه تعرض للخنق في عام 1941 على يد الجلادين تحت إشراف الضباط السوفييت بقيادة سعيد في سجن شنغ شي ساي. كما تُشير بعض المصادر إلى أن قرار قتل خوجا نياز كان بموافقة من موسكو. بعد مقتله، تم التخلص من جثته في حفرة بالقرب من أورومجي، حيث تعرف عليها السكان المحليون ودفنوه.

في خريف عام 1946، وبمبادرة من أحمد جان قاسم، قام مجتمع الأويغور في أورومجي بفتح قبر خوجا نياز ونقل جسده إلى مقبرة المسلمين في الجزء الشرقي الشمالي من أورومجي، حيث تم بناء قبة ضخمة على قبره. حيث حضر الآلاف من الأويغور هذه المراسم. وألقى كل من أحمد جان قاسم، نائب رئيس الحكومة الائتلافية، ومحمد أمين بُغْرا، وزير الإشراف على الصيانة، كلمات أمام الجمهور، وأشادوا بدوره البارز في الثورة الوطنية في تركستان الشرقية خلال ثلاثينيات القرن الماضي.

تم دفن جثة خوجا نياز في مقبرة المسلمين في أورومجي بالقرب من مكان دفن ثابت دامُلَّا. بعد أكثر من نصف قرن، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هدمت الحكومة الصينية المقبرة القديمة في أورومجي ودمرت الآلاف من قبور الأويغور، بما في ذلك قبور الشخصيات التاريخية البارزة مثل خوجا نياز وثابت دامُلَّا ومسعود صبري مجنزرة، دون أن تترك أثرا.

بقلم: أسد سليمان

تصفّح المقالات

مركز حقوق الطبع والنشر لدراسة الأويغور - جميع الحقوق محفوظة

This website uses cookies. By continuing to use this site, you accept our use of cookies.